حدث بالفعل : قصة المطعم

في مطعم كبير ومزدحم ويبدو أنه مطعم مخصص فقط للصفوة والأغنياء، ناهيك عن أنواع الطعام الكثيرة والمختلفة، والأسعار التي يصعب على الكثير من محدودي الدخل دفعها، فهي بالنسبة لهم رفاهية لا يمكن تحمل تكلفتها، ولكن حدث بالفعل أن دخل هذا المطعم أم وبنتاها الاثنتين، وكان طبيعي أن يلفتوا النظر إليهن، لأنه واضح وبشكل كبير أنهن ليست من رواد هذا المطعم، أو أنهن لم يدخلوا هذه النوعية من المطاعم في حياتهن.

حدث بالفعل : قصة المطعم

حدث بالفعل : قصة المطعم

امنية :

قد يتساءل المرء ماذا تفعل هذه العائلة في ذلك المكان الغير مناسب لهن، وقد يدفعه الفضول ليتابع ما سيحدث لهم في هذا المكان الغير لائق نسبياً لهن، من ينظر إلى الفتاتين يشعر بسعادتهن، وكأن حلم حياتهم قد تحقق بدخولهم هذا المكان الذي وبالتأكيد غير قادرين على مجارته مادياً، وكأنه حلم طال انتظاره وأخيراً تحقق وحدث بالفعل، ولكن الأم يبدو في عيونها القلق والتوتر والخوف، ولكنها تقدمت بخطوات مرتعشة إلى طاولة طلب الطعام، ووقفت من ضمن طابور تنتظر دورها في طلب الوجبة، ورغم أن الطابور طويل بعض الشيء إلا أنهن لم يبدين الضجر عليهن، بل السعادة والتسلية، كأنهن يرون فيلماً رائعاً، ويتهامسن ويضحكن.

الطلب :

أخيراً وصلن إلى الموظفة المختصة بتلقي الطلبات، هي فتاة صغيرة ولكن يبدو أنها تعمل بجهد ونشاط فهي قادرة على أن تنهي كل الطلبات في وقت قياسي بالرغم من ازدحام المكان وكثرة الطلبات وإلحاح الزبائن عليها، ولكن حين وقفت أمامها الأم والبنتان تغير أسلوبها، في البداية كانت من نصيبها الدهشة، كأن من تراهم أمامها أشباح أو هم غير متواجدين، وبعدها نظرت إليهم بقليل من الاهتمام، إن لم يكن الشفقة، قررت أن تتعامل معهم كأي زبائن يأتون إليها فقد حدث بالفعل أنهم يطلبون منها الطعام، ويجب عليها تلبية الطلب، وبأسلوب دبلوماسي تحدثت مع الأم وتخبرها بما أخدمك؟ قالت الأم ببطء أريد طلب دجاجة لي ولبناتي، نظرت إليها الفتاة لتخبرها بثمن الدجاجة، وحين سمعت الأم المبلغ المطلوب، نظرت إلى الفتاتين، ثم إلى ما بيدها حيث أن قبضتها تخفي شيئاً ما في يدها، وبسطت يدها لتبدو النقود بها، ويُفهم مما يحدث أن هذا المال غير كافٍ لتلك الوجبة، واحتارت الأم واختلطت مشاعرها، مشاعر الحرمان والحزن والضعف وقلة الحيلة من أن توفر وجبة واحدة لبناتها وإن لم يكن دائمة الوجود في حياة عائلتها.

الفتاة الكبرى :

فاقت الفتاة الكبرى من الحلم الذي تعيشه هي وأختها الصغرى عندما تجول بعيونها بين أرجاء المكان وهي لا تصدق أنه جاء اليوم الذي ستجلس فيه في هذا المكان وأنها ستأكل مثلها مثل هؤلاء الناس الذين يصنفون بعلية القوم، أنها حقيقة وليست حلم أنه الواقع بل أنه حدث بالفعل وجودهن هنا، ولكنها شعرت بيد أمها المتوترة وهي تتحدث مع الموظفة ونظرت إلى الأم، لتجد تلك الموظفة الغير مهذبة، وهي تتحدث مع أمها بنفاذ صبر وتقول أرجو أن تطلبي بسرعة حتى أستطيع تلبية باقي الطلبات فإن وراءك يقف الكثير من الزبائن، وقالت الفتاة في لهفة، لا يهم يا أمي فقط أطلبي دجاجة صغيرة وسنأكلها معاً، قالت الأم وهي تكاد تبكي ولكنها لن تكفينا يا بنيتي، قالت الفتاة في شجاعة وهي تبتسم لأمها وتطيب خاطرها، لا يهم يا أمي سنأكلها ببطء وستظل في أفواهنا أطول وقت ممكن وبهذه الطريقة يمكننا أن نشبع، وشعرت الأم بالحزن ولكنها وافقت على طلب ابنتها وطلبت من الموظفة الفظة ذلك الطلب الصغير الرخيص نسبياً ويوافق ما معها من نقود، لتلبي تلك الموظفة الطلب وهي تتأفف بصوت مسموع، وأعطت الأم رقم الطاولة التي ستجلس عليها ريثما يأتيها الطعام.

المتابعة :

كان يقف شابان يتابعان ذلك الموقف وما يحدث مع الأم والموظفة، وشعرا بالغضب من تلك الموظفة ومن أسلوبها الغير طيب من الأم وبنتاها، حتى أنهما قررا أن يذهبا إلى صاحب المكان ليشتكيا على هذه الموظفة، وعندما عَلِم المدير بما حدث أمر بأن تترك تلك الموظفة هذا المكان وأتى بفتاة أخرى أكثر طيبة وتسامحاً مع الزبائن، وبعدها أعتذر للشابين وأقسم لهما أن هذا الموقف لن يحدث مرة أخرى، بالرغم من أنه حدث بالفعل ولكنه لن يتكرر.

المكافأة :

لم يكتفي الشابان بهذا الأمر، بل أن أحدهما طلب من المدير أن يعطي طلبه من طعام إلى هذه العائلة الصغيرة، وسارع صديقه بفعل المثل، ونظر إليهما المدير في اندهاش لهذا العمل الخيري الذي قاما به، ولكنهما لم يهتما بهذه النظر بل أنهما سألاه ولكن كيف لنا أن نعطيهم ما لنا من طعام دون أن نجرح مشاعرهم، قاطعهما المدير وقال أتركا هذا الأمر لي، وعاد المدير إلى الداخل ليفعل شيئاً، وذهبا الشابان ليقفا في أحد زوايا المطعم، وبعد قليل خرج المدير وهو يقف بين الطاولات ويخبر الجميع أن هناك مسابقة تجعل المتسابق الفائز أن يكون له وجبتين هدية على وجبته التي طلبها، وفرح كل الموجودين وفرحت الأم والبنت الكبرى أما الصغرى فكانت فرحتها لا توصف تكاد تطير من على الأرض من كثرة سعادتها، وصمت الجميع ليسمع ما سيقوله المدير، الذي أمسك بورقة صغيرة في يده وهو يقول أن رقم المتسابق صاحب الطاولة رقم 77 هو الفائز بالوجبتين معاً، ونظرت البنت الكبرى بسرعة إلى رقم الطاولة وصرخت من الفرح واحتضنت أمها وأختها الصغيرة وهي تردد ودموع الفرح في عينها لقد فزنا يا أمي.. لقد فزنا.

الفرحة :

وساد المكان تصفيق حاد، وجاءت الوجبتين لتملأ عيون الصغيرتين سعادة وفرحة، وتمتمت الأم ببعض الدعوات، وكانا الشابان لا يقلان عنهن سعادة، فإن الابتسام ظهر على وجهيهما بشكل ملفت للنظر، وبدأت الأسرة في تناول الطعام ومازالت الفرحة تظهر على وجوههن، وغادر الشابان المكان في هدوء، وكل منهما يشعر بالسعادة لما فعلاه، فإنهما اليوم قد تسببا في سعادة أسرة صغيرة لا تملك من الحظ شيئاً، ولكن زال شعور السعادة بسرعة مع ظهور الشعور بالجوع، فقد كان تكلفة تلك الوجبتين أخر ما في جيوبهما، وهذا يعنى أنهما لن يتناولا طعام العشاء الليلة، ولكنهما ضحكا معاً، وبدأ كلاً منهما يفتش في جيوبه عن أي مال، حتى جمعا معاً مبلغاً صغيراً من المال يكفي فقط للقليل القليل من الطعام من أي مطعم أخر ولكن بعيد كل البعد عن مستوى المطعم الذي غادراه للتو، وتناولا الطعام في الطريق وبداخلهما شعوراً بالسعادة والرضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *