قصص واقعية .. الوفاء

محكمة:

في المحكمة عالم آخر، لا يعرفه إلا من عاش تجاربه، هذا العالم يعتمد أساساً على الحق، كل طرف يعتقد أن معه الحق، والرأي في النهاية للقاضي، هو من يرد الحق إلى أصحابه، ويعاقب المخطئ على خطيئته، وفي المحكمة الكثير من القصص الحزينة، عندما تعرفها تندهش من تحمل أصحابها كل هذا العناء والألم، ولكن في بعض هذه الحكايات قد تصادف نوع آخر من المشاعر أنه الوفاء، ولكن هذا النوع من المشاعر ليس له مكان في حياتنا.

الزوجة:

رُفعت قضية أمام القاضية عن زوجة دائمة الشكوى من زوجها، فهو لا يرفض لها طلب، يعطيها من المال ما يزيد، ويفعل لها كل ما تطلبه وتأمر به، حتى أنه يوافق على كل شيء وأي شيء هي تريده، ولكنها دائمة الشكوى، في رأيي أنا أنها ليس لديها الوفاء الذي يملكه زوجها، هذا الزوج الذي حكم عليه القدر أن يكون عقيماً ولا ينجب أطفال، وفي البداية لم تهتم الزوجة لذلك وعاشت حياتها معه دون أن تشكو من حرمانها من حلم الأمومة كما تقول الآن أمام القاضية، ولكنها وبعد أن جردته من كل ما يملك لا تريد أن تعيش معه، تريد الخلع حتى تبحث عن غيره من أجل إنجاب الأطفال، حاولت القاضية مراراً أن تجعلها ترضي بما كتبه الله لها، خاصة وأنها كانت موافقة على ذلك طوال فترة زواجها ولكنها رفضت وأصرت على الخلع، ونظرت القاضية في حزن إلى عيون الزوج الحزين، فهو لا يصدق تغير زوجته، ووصول الأمر بينهما إلى المحاكم، ولكنه لا يريد أن يخسرها فهو يحبها، ولكن ما باليد حيلة، ورغم كل محاولاته أن يجعلها ترضى بحياته معه، إلا أنها رفضت الاستمرار وفي النهاية قضية خلع أمام المحكمة، ولم يجد أمامه سوى أن يطلقها بانكسار، فهو لا يريد أن يعيش مع زوجة لا تحترمه ولا تريد العيش معه، فهو بالرغم مما يحمله من مشاعر الوفاء بداخله، إلا أنه في النهاية لدية كرامة يريد أن يحافظ عليها، وصدر الحكم بالطلاق.

الزوج:

بعيداً عن المحكمة تذكرت القاضية تلك الفتاة الصغيرة التي كانت تبكي بمفردها، دون أن يرافقها أحد، وبقلبها الضعيف تقدمت إليها تسألها ما بها، في البداية خافت منها ولم تحكي لها شيء ولكن بالتدريج بدأت تهدأ وتتحدث وكأنها تحمل هموم العالم في قلبها، وواضح جداً أنها بحاجة لمن يقف بجانبها حتى لمجرد أن يسمعها وهي تتحدث، أنها زوجة تحب زوجها جداً –أقصد من كان زوجها فقد طلقها منذ دقائق قليلة- هو زوج عصبي وغير متفاهم طلق زوجته، تلك الزوجة التي تحدت من أجله أهلها وظلت بجانبه تقاوم معه ظروف الحياة الصعبة، وتساعده بمالها ووقتها وكل ما تملك لأنها فقط تحبه، وتحمل له كل الوفاء في قلبها، وفي النهاية يجازيها بطلب الطلاق، لأنها ببساطة لم تنجب له ولى العهد المنتظر، وهو يتمنى وريثاً يرث كل ما يملكه، والذي هو في الأصل من مالها هي، وبمساعدة أهلها له بعد أن تبين لعائلتها أنها لن تتزوج غيره، وبإصرار منها خضعوا إلى قرارها بزواجها منه، والآن هي وحيدة ليس لها أحد بعد أن تخلي عنها الجميع بسببه، وها هو الآن يتخلى عنها هو الآخر.

فكرة:

جاءت الفكرة بعد حوالي ثلاثة أشهر من النظر في القضية الأولى، القاضية تعلم ذلك الشاب ومازالت تتذكره، كما أنها مازالت على علاقة طيبة مع تلك الفتاة بعد أن أمنت لها عمل وصارت أفضل بكثير بعد طلاقها، وانطلاقاً من شعورها بحب الخير للآخرين قررت أن تجمع هذان القلبان بما فيهم من الوفاء، هي بنفسها كانت من ضمن الحاضرين لحفل الزواج، كان الحفل رائع، في عين كلاً منهم السعادة والحب للآخر، والأجمل ذلك مقابلتها لهم بعد فترة من الزواج بناءً على طلب وإلحاح شديدين منهما، والاثنين معاً يخبرانها بأجمل خبر في الوجود، أنها حامل وقريباً سيكون لهما طفلاً يزيد الحياة سعادة بينهما، كم شعرت القاضية بالفرحة حينها، وكأن الله يجازيهما معاً على ما عانيه في حياتهما من قبل.

التعليقات (0)
اضف تعليق