قصة .. إنه القدر رُب ضارة نافعة

سبحان الله:

يقف بجانب شجرة كبيرة، مستنداً على سور من خشب وهو ينظر إلى جمال الطبيعة وروعتها، ويردد بداخله سبحان الله على هذا الجمال، سبحان الخالق المبدع، وهو مازال في حالة من التأمل، ويحمد الله على هذه النعم في حياتنا، وفجأة ينتفض ويقفز في الهواء وهو يشعر بألم شديد في قدميه، ويضرب بقدميه في الأرض وفي جذع الشجرة، وهو يلعن حظه وتلك النملة التي عضته بأسنانها، وظل يقفز طويلاً، حتى ابتعد عن الشجرة، وفي لحظات وقعت هذه الشجرة على الأرض بعد أن ابتعد عنها مباشرةً، ونسي ألمه واستولى عليه الاندهاش لما يحدث، فقد كان سبب وقوع الشجرة على الأرض حادث تصادم بين سيارة تقف تماماً مكان وقفه السابق أثناء تأمله للمنظر، أي أنه لو كان مازال في هذا المكان كان الآن في العالم الآخر من الحياة، ولكن الله أراد أن يرسل له النملة لتكون سبباً للابتعاد عن الشجرة التي كان من الممكن أن يلقى حتفه أسفلها، ظل طويلاً يشعر بالصدمة ولم يصدق أنه قد نجى لتوه من الموت، ماذا يسعنا أن نقول ربُ ضارة نافعة.

المدرسة:

يحكى عن طفلين بالمدرسة، أحدهما فاشل في دراسته ولا يحب المذاكرة، أما الأخر فقد كان على العكس، كان يحب دراسته ودائماً من الأوائل، وفي أحد الأيام وقف المدرس كعادته يشكر ويثنى على الطفل المتفوق، ويقدم له قلم ذهبي هدية له على تفوقه، ولتكون هذه الهدية حافز ليستمر في نجاحه، وعلى الجانب الآخر، دائماً ما يلوم المدرس ذلك الطفل، ويقدم له الكثير من النصائح ليلتفت إلى مستقبله، وأن عليه الدراسة والتعليم لأنها أهم ما في الحياة، ولكن دون فائدة، ودائماً ما يذكره بزميلة المتفوق في الدراسة، حتى أن هذا الطفل الفاشل قد وصل إلى حد الكراهية لزميله المتفوق، وقد أراد أن يؤذيه انتقاماً منه لتفوقه، ولأنه السبب في شعوره بالفشل باستمرار.

الفسحة:

وفي أثناء الفسحة بين الحصص، نزل جميع الأطفال إلى الفناء يلعبون ويمرحون مع بعضهم البعض، وكان الطفل المتميز مُراقب من قِبَل الطفل الفاشل، وحين أتته الفرصة ورآه وحيداً وليس معه أحد هجم عليه وبدأ في ضربه، وأجبره على أن يأخذ منه القلم هدية مدرسه، وتوعده إن أخبر أحد بما حدث له سيعود إليه مرة أخرى وهذه المرة سيكون الأذى أكبر بكثير مما رأى.

المدرس:

وعندما رأي المدرس بعد انتهاء الفسحة ما حدث للطفل من جروح وإصابات، اندهش لذلك وسأله عما حدث، وقبل أن يجيبه الطفل نظر إلى زميله المعتدى عليه، ثم عاد ينظر إلى المدرس يخبره أنه وقع على الأرض، ولم يؤذيه أحد، وعاد المدرس ليسأله في شك ولكن أنت مصاب بجروح لا يمكن حدوثها بمجرد الوقوع على الأرض، ولكنه عاد يؤكد له أن لا أحد تسبب في هذه الإصابات، فرح الطفل الفاشل وزادت ابتسامته، فقد تحقق له ما أراده، حصل على القلم الهدية، وانتقم من الطفل المتميز، وفلت من العقاب، وأعتقد أن هذا الضرر نافع له، وأخذ يردد ربُ ضارة نافعة.

المريض:

وفي أحد الأيام انتبه الطفل المتميز إلى غياب الطفل المشاكس، حتى أنه سأل عنه أصدقائه وعلم أنه مريض، ولم يأتي إلى المدرسة منذ فترة، فقرر الذهاب إليه ليزوره، وهو يقول زيارة المريض واجب علينا، وربُ ضارة نافعة، وعند زيارته في منزله، اندهش الطفل المشاكس لذلك، وسأله لماذا أتيت، قال الطفل المتميز أنت مريض ويجب الاطمئنان عليك، وعاد يقول وكني قد أذيتك وسرقت منك هديتك، إلا أنه ابتسم وهو يقول لا تهتم لذلك، واندهش الطفل المشاكس لذلك، ولكنه غادر الفراش وخرج من الحجرة ثم عاد إليها وفي يده القلم الذهبي، وهو يعتذر لزميله ويقول لا تغضب مني لقد أخطأت في حقك، ولم أكتشف خطأي إلا الآن، خاصة بعد زيارتك لي، فأنا لم يزورني أحد من زملائي ولا أصدقائي، لم يفكر فيّ أحد، قال زميله المتميز لا تغضب منهم، وأجعل هذا القلم هدية تعارف بيننا، ولنكون أصدقاء، من يدري ربُ ضارة نافعة، وقال الطفل المشاكس في فرح، أحقاً تريد أن نكون أصدقاء، أجاب في هدوء نعم، ولما لا، أجاب عليه أنت من المتفوقين أما أنا فاشل كيف لنا أن نكون أصدقاء، قال وهو يبتسم أنت أيضاً سهل جداً أن تكون من المتفوقين أنا سأساعدك، ومن اليوم أنت زميلي وصديقي، وسندرس معاً ونتعلم معاً ونتفوق معاً، وبعد كل هذا العداء بيننا، والذي انتهي الآن، من يدري ربما ربُ ضارة نافعة.

التعليقات (0)
اضف تعليق